فصل: الشاهد الثاني والعشرون بعد الخمسمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.واقعة صلاح الدين مع الملك الصالح وصاحب الموصل وما ملك من الشام بعد انهزامهما.

ثم سار سيف الدين غازي صاحب الموصل في سنة إحدى وسبعين بعد انهزام أخيه وعساكره واستقدم صاحب كيفا وصاحب ماردين وسار في ستة آلاف فارس وانتهى إلى نصيبين في ربيع من السنة فشتى بها حتى ضجرت العساكر من طول المقام وسار إلى حلب فخرجت إليه عساكر الملك الصالح مع كمستكين الخادم وسار صلاح الدين من دمشق للقائهم فلقيهم قبل السلطان فهزمهم واتبعهم إلى حلب وعبر سيف الدين الفرات منهزما إلى الموصل وترك أخاه عز الدين بحلب واستولى صلاح على مخلفهم وسار إلى مراغة فملكها وولى عليها ثم إلى منبج وبها قطب الدين نيال بن حسان المنجي وكان حنقا عليه لقبح آثاره في عداوته فلحق بالموصل وولاه غازي مدينة الرقة ثم سار صلاح الدين إلى قلعة إعزاز فحاصرها أوائل ذي القعدة من السنة أربعين يوما وشد حصارها فاستأمنوا إليه فملكها ثاني الاضحى من السنة وثب عليه في بعض أيام حصارها باطني من الفداوية فضربه وكان مسلحا فأمسك يد الفداوي حتى قتل وقتل جماعة كانوا معه لذلك ورحل صلاح الدين بعد الاستيلاء على قلعة إعزاز إلى حلب فحاصرها وبها الملك الصالح واعصوصب عليه أهل البلد واستماتوا في المدافعة عنه ثم ترددت الرسل في الصلح بينهما وبين صاح الموصل وكيفا وصاحب ماردين فانعقد بينهم في محرم سنة اثنتين وتسعين وعاد صلاح الدين إلى دمشق بعد أن رد قلعة إعزاز إلى الملك الصالح بوسيلة أخته الصغيرة خرجت إلى صلاح الدين ثائرة فاستوهبته قلعة إعزاز فوهبها لها والله تعالى أعلم.

.مسير صلاح الدين إلى بلاد الإسماعيلية.

ولما رحل صلاح الدين عن حلب وقد وقع من الإسماعيلية على حصن إعزاز ما وقع قصد بلادهم في محرم سنة اثنتين وتسعين ونهبها وخربها وحاصر قلعة باميان ونصب عليها المجانيق وبعث سنان مقدم الإسماعيلية الشام إلى شهاب الدين الحارمي خال صلاح الدين بحماة يسأله الشفاعة فيهم ويتوعده بالقتل فشفع فيهم وأرحل العساكر عنهم وقدم عليه أخوه توران شاه من اليمن بعد فتحه وإظهار دعوتهم فيه وولى على مدنه وامصاره فاستخلفه صلاح الدين على دمشق وسار إلى مصر لطول عهده بها أبو الحسن بن سنان بن سقمان بن محمد ولما وصل إليها أمر بادارة سور على مصر القاهرة والقلعة التي بالجبل دوره تسعة وعشرون ألف ذراع ثلثمائة ذراع بالهاشمي واتصل العمل فيه إلى أن مات صلاح الدين وكان متولي النظر فيه مولاه قراقوش والله تعالى ولي التوفيق بمنه.

.غزوات بين المسلمين والإفرنج.

كان شمس الدين محمد ابن المقدم صاحب بعلبك وأغار جمع من الإفرنج على البقاع من أعمال حلب فسار إليهم وأكمن لهم في الغياض حتى نال منهم وفتك فيهم وبعث إلى صلاح الدين بمائتي أسير منهم وقارن ذلك وصول شمس الدولة توران شاه بن أيوب من اليمن فبلغه أن جمعا من الإفرنج أغاروا على أعمال دمشق فسار إليهم ولقيهم بالمروج فلم يثبت وهزموه وأسر سيف الدين أبو بكر بن السلار من أعيان الجند بدمشق وتجاسر الإفرنج على تلك الولاية ثم اعتزم صلاح الدين على غزو بلاد الإفرنج فبعثوا في الهدنة وأجابهم إليها وعقد لهم والله تعالى ولى التوفيق.

.هزيمة صلاح الدين بالرملة أمام الإفرنج.

ثم سار صلاح من مصر في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين إلى ساحل الشام لغزو بلاد الإفرنج وانتهى إلى عسقلان فاكتسح أعمالها ولم يروا للإفرنج خبرا فانساحوا في البلاد وانقلبوا إلى الرملة فما راعهم إلا الإفرنج مقبلين في جموعهم وابطالهم وقد افترق أصحاب صلاح الدين في السرايا فثبت في موقفه واشتد القتال وأبلى يومئذ محمد ابن أخيه في المدافعة عنه وقتل من أصحابه جماعة وكان لتقي الدين بن شاه ابن اسمه أحمد متكامل الخلال لم يطر شاربه فابلى يومئذ واستشهد وتمت الهزيمة على المسلمين وكان بعض الإفرنج تخلصوا إلى صلاح الدين فقتل بين يديه وعاد منهزما واسر الفقيه عيسى الهكاري بعد أن أبلى يومئذ بلاء شديدا وسار صلاح الدين حتى غشيه الليل ثم دخل البرية في فل قليل إلى مصر ولحقهم الجهد والعطش ودخل إلى القاهرة منتصف جمادي الاخيرة قال ابن الاثير ورأيت كتابه إلى أخيه توران شاه بدمشق يذكر الواقعة:
ذكرتك والخطي يخطر بيننا ** وقد فتكت فينا المثقفة السمر

ومن فصوله لقد أشرفنا على الهلاك غير مرة وما نجانا الله سبحانه منه إلا لأمر يريده وما ثبتت إلا وفي نفسها أمر انتهى وأما السرايا التي دخلت بلاد الإفرنج فتقسمهم القتل والاسر وأما الفقيه عيسى الهكاري فلما ولى منهزما ومعه أخوه الظهير ضل عن الطريق ومعهما جماعة من أصحابهما فأسروا وفداه صلاح الدين بعد ذلك بستين ألف دينار والله تعالى أعلم.